خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

من يستهدف البلد.. ولماذا ؟

طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ
د. خالد الشقران

في خضمّ التحديات الإقليمية، يبرز الأردن كداعمٍ رئيسي للقضية الفلسطينية، متمسكاً بمواقف تاريخية وسياسية وإنسانية تُجسِّد التزامه بحقوق الشعب الفلسطيني. لكن هذا الدور لا يخلو من تحديات، إذ تُواجه المملكة محاولات متكررة لزعزعة أمنها من فئات ضالة، تارةً عبر استغلال مشاعر الناس والاتجار بالقضايا القومية، وتارةً أخرى عبر تدخلات خارجية تهدف إلى إضعاف دور الأردن الإقليمي والانتقاص من جهوده في مساندة قضايا أمته وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

تاريخياً استند الدعم الأردني للفلسطينيين إلى ركائز متعددة كان من أهمها الدبلوماسية والمواقف السياسية حيث يُعد الأردن صوتاً فلسطينياً في المحافل الدولية، عبر مطالبته المستمرة بضرورة وقف العدوان الاسرائيلي على غزة ودفاعه عن حلّ الدولتين، ومعارضة التوسع الاستيطاني والاعتداءات الإسرائيلية في الضفة الغربية ولا يقتصر دوره على الشجب، بل يتعداه إلى تقديم مبادرات سياسية، والعمل الدؤوب مع القوى الفاعلية في المجتمع الدولي لإيقاف العدوان على غزة، اضافة الى تقديم الدعم الانساني من مساعداتٍ عبر الهلال الأحمر الأردني والهيئة الخيرية الهاشمية، وإرسال الغذاء والدواء والمستلزمات الطبية إلى غزة، وإنشاء المشافي الميدانية، واستقبال الجرحى الفلسطينيين للعلاج في مستشفياته، إلى جانب دعم الأونروا لضمان استدامة تقديم الخدمات ومساعدة اللاجئين.

وبوصفه صاحب الوصاية والقيم على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، يعمل الأردن وبشكل مستمر على مواجهة التهويد عبر دعم صمود المقدسيين مادياً وقانونياً،,ويتصدى في المحافل الدولية لمواجهة انتهاكات الاحتلال وكل اقتحام للأقصى تقوم به قوات الاحتلال ومتطرفيه والعمل مع منظمات الامم المتحدة والهيئات والقوى الدولية الفاعلة لتوثيق وفضح ووقف هذه الانتهاكات والاعتداءات.

لكن ورغم كل هذه الجهود التي يبذلها الاردن في دعم القضية الفلسطينية ومساندة الاشقاء في عموم المناطق الفلسطينية الا ان ثمة من يسعى في هذا الظرف الدقيق الى زعزعة الاستقرار في الأردن، وفي واقع الامر ان هذه المحاولات ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج واقع تتداخل فيها الدوافع والاطراف والعوامل الداخلية والخارجية.

التساؤلات الاكثر خطورة التي يمكن طرحها في هذا المجال؛ أين تريد بعض الجهات جرّ البلد ؟ وأين يُريد مَن أمر بتصنيع الصواريخ والمتفجرات أن يقود الأردن؟ وما هي اهدافهم الحقيقية؟

اقليمياً تُعارض بعض القوى الإقليمية الدور الأردني في القدس والقضية الفلسطينية، وترى في استقرار الأردن عائقاً أمام أجندات توسعية، كما أن الموقف الأردني الرافض للتطبيع مع إسرائيل دون حلّ عادل يُغضب أطرافاً تريد تمرير سياسات الأمر الواقع، ويتوافق ذلك كله مع الاجندات الخارجية تتشارك فيها وتتفق حولها جهات إقليمية ودولية وتنفذها عبر تقديم الدعم لجماعات تستغل مشاعر المواطنين لحشد الدعم والتأييد لاعمالها التخريبية التي تهدف بالاصل الى زعزعة الاستقرار وزرع الفوضى على الساحة الاردنية وتمويل إعلام معاد يقود اوركسترا العزف على وتر التشكيك بالمواقف الاردنية المشرفة وإدارة حملات تشويه تستهدف الشرعية السياسية للنظام، أو نشر أخبار كاذبة لتفكيك النسيج الاجتماعي، بهدف حصد المزيد من الاتباع والمؤيدين وبث الفرقة بين مكونات النسيج الاجتماعي الاردني تحت حجج واهية لخدمة مصالحها واهدافها المشبوهة.

تهدف الجهات التي تقف خلف هذه الخطوة إلى تحويل الأردن إلى "ساحة صراع هشّة"، تستخدمها قوى إقليمية أو دولية لتحقيق مصالحها، فالأردن، بموقعه الجيوسياسي الفريد (جوار إسرائيل، والحدود مع سوريا والعراق)، يُعتبر هدفًا لاستهداف استقراره، سواء عبر إضعاف قدرته على دعم واسناد قضية الشعب الفلسطيني للوصول الى حقه التاريخي في الحصول على دولته المستقلة على ترابه الوطني، أو جرّه إلى مواجهات مع دول الجوار. وقد تكون الغاية أيضًا زرع الفوضى في الشارع الأردني والاخلال بالامن واستقرار النظام السياسي برمته عبر إظهاره عاجزًا عن حماية الأمن الداخلي.

اما الهدف المُزدوج الذي تسعى الجهات الاجرامية المخططة لتحقيقه فهو يكمن في خلق "فوضى مُمنهجة" تسهل جرّ الأردن إلى صراعات غير مباشرة او حروب بالوكالة، حيث يدرك الجميع على الساحة الداخلية والاقليمية او الدولية أن الأردن لن يُدخل نفسه في حرب مفتوحة، لكن الفوضى الداخلية (كالهجمات الإرهابية أو الاشتباكات الأمنية) قد تُجبر النظام على تبني سياسات متشددة، أو توريطه في صدام مع فصائل مسلحة تابعة لدول مجاورة. هذا قد يُضعف موقفه الإقليمي، ويُشغل مؤسساته الأمنية بأزمات داخلية او جانبية، مما يفتح الباب لتدخلات خارجية "تحت غطاء دعم الاستقرار".

الخلايا التي تعمل بتعليمات خارجية دون وعيٍ بأهدافها النهائية تُشكّل أداةً لـحروب الظل، حيث من الوارد جدا ان تُستخدم هذه الخلايا لتنفيذ هجمات تُنسب لجهات وهمية أو خصوم جيوسياسيين، مستفيدةً من حدود المملكة المفتوحة مع دول تعاني عدم استقرار كسوريا والعراق مما يُنتج ذرائع لتصعيد سياسي أو عسكري. على سبيل المثال: تحويل الاردن الى ساحة مواجهة مع إسرائيل عبر استفزاز ردود فعل إسرائيلية على هجمات مُزعومة تنطلق من أراضيه، مما يُهدد بانهيار معاهدة السلام الأردنية-الإسرائيلية، ويفتح الباب لموجة صراع جديدة، أو هجوم يُظهر "تسللًا إيرانيًّا" قد يدفع الأردن لمواءمة سياساته مع تحالفات معادية لإيران. الهدف هنا ليس الفوضى بحد ذاتها، بل خلق سيناريوهات تخدم مصالح أطراف اخرى تسعى للنيل من الاردن عبر زعزعة امنه واستقراره وتحويله الى دولة فاشلة عبر تفكيك مؤسساته الأمنية، والقضاء على وحدتها ووحدة نسيجها الوطني والاجتماعي وتحويله إلى نموذج يُبرر التدخلات الخارجية تحت ذرائع "مكافحة الإرهاب" أو "حماية الحدود".

السيناريو الأسوأ الذي تسعى اليه هذه القوى والجماعات الاجرامية ومن يقف خلفها هو تحويل الأردن إلى "دولة حاجزة" (Buffer State) تُدار من الخارج عبر أزمات مُصنَّعة، وحلبة للصراع بين المحاور الإقليمية حيث تُستخدم أرضه وحدوده كورقة ضغط في التفاوض بين القوى الاقليمية ومع القوى الكبرى، ومواجهة هذا الخطر تستدعي رفع مستوى الوعي داخليا بخطورة هذه المخططات وتبني خطاب وطني يُعزز اللحمة الداخلية ضد محاولات الاختراق وتعزيز وحدة الصف الوطني خلف الدولة اما على المستوى الدولي فيمكن العمل على تعزيز التعاون الاستخباري مع الحلفاء، وتجفيف التمويل الخارجي للخلايا، بيد ان التحدي الأكبر هو الحفاظ على السياسة الأردنية المتزنة، التي تجنبت لعقود الوقوع في فخ الصراعات الإقليمية، رغم إحاطتها ببؤر التوتر.

الأردن، بحكم موقعه الجيوسياسي وثقافة الاعتدال التي يتمتع بها، يُشكّل صمام أمانٍ إقليمي. لذا، فإن زعزعته تعني تفجير بؤرة توتر جديدة تُغذي الصراعات من سوريا إلى فلسطين.

وعليه فإن حماية استقرار الأردن ليست مسؤولية وطنية أردنية فحسب، بل مصلحة عربية واقليمية ودولية لضمان ألا تصبح المنطقة ساحة لمزيد من الصراعات التي لا تُبقي ولا تذر.

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF